Foundo

vendredi, 29 mars 2024
search

تحديات المحافظة على السـيادة الـوطنية

منير كسيكسي 

يعيش العالم حالة من التحول السريع الذي لم تعد فيه القواعد والافكار النمطية قادرة على التعايش معها ،وذلك في جميع المجالات. وهو ما أثر على نمط نظام الدولة في مفهومها التقليدي، التي اصبحت تواجه العديد من التحديات والتهديدات الغير مألوفة سابقا والمتأتية من التطور التكنولوجي والعلمي عبر استعمال التقنيات الحديثة ،التي جعلت العالم يعيش بشكل مفتوح لم يعد يسمح لاي كان بالبقاء داخل فضاءه المغلق للمحافظة على خصوصياته ، ومن اهمها مسألة السيادة وخصوصا منها الامنية
وفي إطار تمشي منهجي لطرح هذا الموضوع سوف يكون البدء بتعريف السيادة الوطنية وخصائصها وحدود ممارستها مهما جدا ، أثر ذلك يكون الحديث عن التهديدات والمخاطر المحدقة والمتاتية من  الانفلات الامني وتفشي الجريمة بمختلف انواعها، وفي الختام سيكون عرض لجملة الاجراءات لحماية السيادة الوطنية
تعريف السيادة الوطنية، مظاهرها، خصائصها وحدود ممارستها
 تعريف السيادة الوطنية
لقد ورد بالتقرير الاساسي المجتمعي لقاعدة السلامة الإقليمية للجمعية العامة ومجلس الامن التابعين للأمم المتحدة بتاريخ 29/12/2008 وهو تقرير عن القاعدة الاساسية للسلام الاقليمية للدول في حق تقرير المصير على ضوء المطالبات لجمهورية أرمينيا. “يرتكز مبدأ سيادة الدولة على مفهوم المساواة في السيادة الذي تم تعريفه من جهات مرجعية من الافتراضات التالية
أ – الدول متساوية من الناحية القانونية
ب- تتمتع كل دولة من الدول بحقوق الملازمة للسيادة الكاملة
ج- على كل دولة واجب احترام شخصية الدولة الاخرى
د- حرمة السلامة الاقليمية والاستقلال السياسي للدولة
ه- لكل دولة الحق في ان تختار وان تنمي بحرية نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية
و- على كل دولة واجب تنفيذ التزاماتها الدولية تنفيذا كاملا يحدوه حسن النية والعيش في سلام مع الدول الأخرى”
كما سنعتمد على ما صدر عن محكمة العدل الدولية في قضية كورفو عام 1949 “ان السيادة بحكم الضرورة ولاية الدولة في حدود اقليمها ولاية انفرادية ومطلقة وان احترام السيادة الاقليمية فيما بين الدول يعد اساسا جوهريا من اسس العلاقات الدولية”
 مظاهرها
للسيادة مظاهرها على المستوى الداخلي والخارجي

• المظهر الداخلي
يكون ببسط سلطانها على اقليمها وولايتها وعلى كل الرعايا وتطبيق القانون عليهم جميعا ولا ينبغي ان يوجد داخل الدولة سلطة اخرى اقوى من سلطة الدولة، وينبغي ان تكون سلطة الدولة على سكانها سامية وشاملة والا تعلو عليها سلطة اخرى او تنافسها في فرض ارادتها.
• المظهر الخارجي
يكون بتنظيم علاقاتها مع الدول الاخرى في ضوء انظمتها الداخلية وحريتها في ادارة شؤونها الخارجية وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول، وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في اعلان الحرب والتزام الحياد
خصائصها
للسيادة خمسة خصائص اساسية وهي
• شاملة تطبق على جميع المواطنين في الدولة ومن يقيم في اقليمها
• لا يمكن التنازل عنها
• مطلقة (لا مكان لسلطة اخرى منافسة)
• دائمة تدوم بدوام قيام الدولة
• لا تتجزأ بمعنى انه لا يوجد في الدولة الواحدة سوى سيادة او سلطة عليا واحدة والتي لا يمكن تجزئتها
 حدود ممارسة السيادة في ظل القانون الوطني والدولي
الدولة تمارس اختصاصها في إطار قانوني يعطي لهذه الاختصاصات الصفة الوظيفية لطبيعتها الداخلية ذات المحتوى القانوني. والمؤكد ان كل اختصاص تمارسه الدولة الا ويستند الى قاعدة قانونية وطنية، ام دولية او عرفية، ومثال على ذلك في إطار مكافحة الجريمة المنظمة والارهاب والفساد وغيرها ترتكز الاعمال الى القوانين الوطنية التي وضعت على غرار “مجلة الاجراءات الجزائية، قانون مكافحة الارهاب، وغيرها من القوانين حسب الاختصاص” اما بالنسبة للدولية فهي تشمل الاتفاقيات على غرار الاتفاقيات الدولية لمكافحة الارهاب وكذلك المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ومكافحة الفساد…
 تهديدات السيادة الوطنية
رغم كل هذه الترسانة من القوانين والنصوص التشريعية التي تنظم تعامل الدول داخليا و خارجيا، والتي تعتبر على درجة عالية من السمو والرفعة بالعلاقات الدولية القائمة على مبدأ المساواة بين جميع الدول بدون اعتبار حجمها ولا قوتها الاقتصادية ولا العسكرية .الا ان ما نراه في الواقع لا يعكس هذا المستوى الراقي من التشريعات، وعلى العكس تماما تتسم العلاقات بين الدول على الميدان بالصراعات والتجاوزات والاعتداءات. الشيء الذي جعل من المحافظة على السيادة الوطنية امرا على غاية من الصعوبة وخصوصا بالنسبة للدول المتوسطة والصغيرة، والتي تجد نفسها مضطرة للتضحية بجزء من السيادة الوطنية من اجل استمرارها وعدم حصول الضرر الذي يمكن ان تتعرض له نتيجة القيود والاجراءات التي يمكن ان تمارس عليها استنادا للقوانين الدولية، وخصوصا في ما يتعلق بالإرهاب وقضايا حقوق الانسان وغيرها من الحجج والاسباب ،حيث كانت هذه القوانين الدولية ذريعة في العديد من المناسبات لاختراق السيادة الوطنية للدول الضعيفة والمتوسطة ومنها بعض الدول العربية على غرار (العراق ،سوريا، ليبيا واليمن) وبعض الدول الاخرى بأشكال مختلفة تحت جملة من الذرائع السياسية والاقتصادية والامنية، خصوصا خلال العشرية الاخيرة التي شهدت ,تحولات ومتغيرات سياسية واجتماعية، تحت طلب تغيير الاوضاع والمطالبة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم ومحاربة الفساد، وهو ما اثر على امن واستقرار العديد من الدول و على تماسكها الاجتماعي كما ساهم في خلق العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحالة من عدم الاستقرار السياسي، مما سبب في ارتفاع عدد الاحتجاجات المطالبة بإصلاح الاوضاع، وهو ما استغلته المجموعات الاجرامية لارتكاب الجريمة والاعتداء على الاملاك العامة والخاصة والمساهمة في الإنفلاتات الامنية ببعض المناطق، ضف الى ذلك بروز ظاهرة الارهاب وانتشار الاسلحة والتي كانت حجة للمجتمع الدولي لتشريع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لهذه الدول التي تعيش اوضاعا غير مستقرة. وبصفة اكثر دقة يمكن ان نستعرض اهم هذه الوضعيات المتعلقة بالجانب الامني، والتي كانت سببا او حجة للعديد من الدول الكبرى لتسمح لنفسها مباشرة او بالاعتماد على الشرعية الدولية للتدخل في الشأن الداخلي للدول والاعتداء على سيادتها الامنية حيث نجد ان تفشي الارهاب والذي يشكل اكبر خطر على الامن القومي للبلدان والعالم هو اول هذه التهديدات التي تعرض السيادة الامنية الى الخطر من الداخل او الخارج كذلك جريمة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين وهي مصدر قلق كافة دول المنطقة اما باعتبارها دول منشأ او عبور او مقصد، كما نجد ان الاعتداء على حقوق الانسان والاعتداء على المرأة والطفولة من اهم الاسباب التي تجعل المجتمع الدولي يتدخل في الشأن الوطني اعتبارا لكونية هذا الملف ،هذا بالضافة الى جريمة تبييض الاموال وتمويل الارهاب والفساد المستشري في العديد من الدول نتيجة ضعف سيادة القانون ونظم العدالة الجنائية
 الاجراءات والمبادئ للمحافظة على السيادة الوطنية
وحتى تتمكن كل دولة من المحافظة على سيادتها الوطنية في مجابهة التهديدات والتحديات، كان لزاما عليها عدم ترك الفرصة لاي كان لمحاولة الدخول وتقويض سيادتها تحت اي ذريعة، فالدولة مطالبة بانتهاج جملة من الاجراءات للمحافظة على استقلالها في التعامل مع الدول الاخرى وفق ضوابط سيادية، ولا يتم هذا الا من خلال نظام وطني ديمقراطي، يطبق فيه القانون على الجميع ويحترم حقوق الانسان بصفة عامة بدون تمييز، وتعتمد فيه الدولة على نفسها للتخلص من كل اشكال التبعية والهيمنة وذلك بالعمل حسب جملة من المبادئ التي يمكن ان تساهم في تحقيق المنظومة السيادية في مواجهة التهديدات والتحديات والتي يمكن ان تتجسم في 
• الالتزام بالعقيدة الأمنية لدى الوحدات المكلفة بإنفاذ القانون والتي تمثل مجمل المبادىء الأساسية التي تتخذها القوات الأمنية لإنجاز مهامها،حسب ما تخوله القوانين العامة والخاصة المنظمة لعمل مختلف الوحدات وفي إطار احترام حقوق الإنسان والحياد والولاء المطلق للوطن

• الموقف السياسي الثابت والواضح للسلطة السياسية الذي يعطي الوحدات المكلفة بإنقاذ القانون الطمأنينة والاريحية عند تنفيذ المهام ويجنبهم حالة الارباك والتردد وارتكاب الأخطاء وتجاوز حدود السلطة
• وضع استراتيجيات وطنية لمجابهة الظواهر الإجرامية بمختلف أنواعها، تستند إلى رؤية وتشخيص واضحتين المعالم للوضع والمخاطر المحدقة، وتصور مواجهتها على مراحل من الوقاءي الى حد المجابهة بالوسائل المادية والقانونية المتاحة
• الاستعداد الفني والمعرفي وذلك بالعمل على تطوير الكفاءات في مجال اختصاصها بتكثيف التدريب والتكوين، مع الانفتاح على التجارب والمعارف الخارجية للاستفادة منها لغاية تطوير المهارات الفردية والجماعية 

وفي الاخير تبقى المحافظة على السيادة الوطنية من مهام السلطة الحاكمة في كل دولة ،فهي المسؤولة الأولى عن كل مساس بها ،وهي مطالبة بالاستباق في الاستعلام واستقراء المخاطر والتهديدات ،لأخذ القرارات والإجراءات الوقاءية والاستعداد للمناورة بطريقة حرفية تجنب البلاد الوقوع في مواجهات غير مضمونة يمكن أن تكلف الدولة نتائج وخيمة على مدى سنوات طويلة يصعب التعافي والخروج منها بسهولة

المراجع
*التدخل الأجنبي في الشؤون العربية الداخلية وتداعياته على الأمن القومي العربي :دراسة حالة ليبيا
(كشان رضا)
*اصلاح القطاع الامني في تونس (معهد السلام الإميركي) (كويرتين هانلون)
*تقرير عن القاعدة الأساسية للسلامة الإقليمية للدول والحق في تقرير المصير على ضوء المطالبات لجمهورية أرمينيا
*البرنامج الإقليمي للدول العربية لمنع ومكافحة الجريمة والإرهاب والتهديدات الصحية وتعزيز نظم العدالة الجنائية (2016-2021)
*تطورات القطاع الامني في تونس (د هيكل بن محفوظ)
*السيادة الوطنية في ظل التحولات الدولية(نوارى احلام)
*السيادة في القانون الدولي المعاصر(ط.د.غرداين خديجة)
*السيادة الأمنية وفق النظرية العالمية(عبد الجبار عبد الوهاب الجموري

منير كسيكسي
عميد بالحرس الوطني  | Plus de publications

عميد متقاعد من الحرس الوطني متخرج من الاكاديمية العسكرية برتبة ضابط مهندس.

عمل وتدرج بسلك الحرس الوطني في العديد من المواقع بمختلف أنحاء الجمهورية.

اهم الخطط التي باشرها متفقد عام ثم مدير عام امر الحرس الوطني

كما قام بمهام وزير مستشار لدى رئيس الحكومة مكلف بالأمن واخيرا تم تعيينه على رأس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب

 

منير كسيكسي

عميد متقاعد من الحرس الوطني متخرج من الاكاديمية العسكرية برتبة ضابط مهندس.

عمل وتدرج بسلك الحرس الوطني في العديد من المواقع بمختلف أنحاء الجمهورية.

اهم الخطط التي باشرها متفقد عام ثم مدير عام امر الحرس الوطني

كما قام بمهام وزير مستشار لدى رئيس الحكومة مكلف بالأمن واخيرا تم تعيينه على رأس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب